ليس منّا أحد إلا ويعرف على الأقل ولو شخصية واحدة ممن هي لا تحب الظهور، وتعمل بشكل عجيب، بل بكل شغف وحُبّ ولذة.
ويمتلكون المهارات العالية والجبارة في أعمالهم التي يقومون بها.
إلا أنه لا يعرفهم أحد، وليسوا مشهورين ولا معروفين إلا لمن حولهم فقط.
طبعاً مثل هؤلاء ليسوا على خطأ في الغالب، فالله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق، بل إن بعضهم لو ظهر وخالف طبيعته ربما لم يُفلح.
هؤلاء صفاتهم ومقاييسهم للنجاح وطبيعة عيشهم مختلفة عن الأشياء التي اعتاد الناس عليها أو تعارفها الغالب.
يحرّك بعضنا هذه الأيام الرغبة في لفت الانتباه بأي طريقة كانت تغريدة أو صورة أو مقطع أو أو …
للحصول على التقدير من الآخرين، وللأسف وإن كان هذا في غالبه غير جيّد إلا أنها أصبحت ثقافة استهلاكية طاغية على عقولنا وحياتنا البسيطة.
مثل هذه الثقافة أخفت بعضنا الذين من طبيعتهم لا يحبون الأضواء ولا الظهور رغم تميّزهم وإبداعهم ومهاراتهم العالية.
مثل هؤلاء لو وضعتهم في غير مكانهم لربما لا يبدع كما كنتَ تراه من قبل، فقد خالف طبعه ولو تحامل على نفسه ليريك ما تتوقعه منه إلا أنه في الغالب لا يستمر.
تعالوا نتعرّف عليهم أكثر من خلال صفاتهم، فمنها:
(تقديرهم ومحفزهم داخلي)
فهم لا يلتفتون كثيراً للتقدير الخارجي وإن جاء قبلوه ولكنهم لا يسعون له، وذلك لاعتقادهم أن الأضواء ربما خطفت شغفهم وحبهم للعمل الذي في أيديهم.
(الدقّة في التفاصيل) وقد تكون هذه الصفة التي يمتازون بها، ولو كنتَ قريباً من أحدهم وهو يعمل لأشعرك بالوسوسة. مهاراتهم العالية وقدرتهم على تجويد العمل وتحسينه نابع من هذه الدقة العجيبة، بل ربما تتعجب أحياناً من تسليمه لعمل ما ويذكر لك ويقول [أنا ماني راضي عن هذا العمل]
(الشجاعة في تحمل كامل المسؤلية) هم يقدّسون العمل متى ما اقتنع به، وإن حصل أي خلل أو تقصير فهو يمتلك الشجاعة لتحمل ذلك تماماً، وهو ما جعلهم مكان تقدير واحترام لمن حولهم.
(شغفهم يحوّل العمل العادي إلى إبداعي بطريقة مذهلة لن تتخيلها)
محفّزهم الداخلي هو ما يحركهم بشكل كبير لعطاء أكثر، فعندما يرى عمله وصل للناس واستفادوا منه وتداولوه بينهم ولو لم يُعرف من يكون صاحب هذا العمل الجميل، فإنه يشعر بالانتصار وبالنجاح الكبير ويزيد في العطاء.
أحياناً تُعرض عليهم وظائف أو أعمال أجدى لهم ماديّاً إلا أنهم يفضلون أن يعملوا في المكان الذي يجدون أنفسهم وشغفهم فيه على تلك الوظائف.
هؤلاء متى ما شعروا بالرضا من ذواتهم للعمل الذي في أيديهم، فلن تستطيع مجاراته ولن تستطيع أن تصف سعادته الغامرة وهو يقوم بعمله بكل لذة وعشق.
وأخيراً :
أرجوك عندما تجد مثل هؤلاء دعهم في مكانهم الذي يعشقون وادعمه بكل ما يحب ويسهل عليه تدفقه وإبداعه، حتى يبقى لنا جمال الإبداع والابتكار وروحه من مثل هؤلاء، ولا تفسده بالخروج للإعلام لأنه متى ما خرج احترق.